سؤال ظل يطارد استخدام السيارات الكهربائية، ويتمحور حول هدفها المتمثل في خفض انبعاثات الكربون، فماذا لو فشلت في هذا المسعى على الرغم من كل الآمال الخضراء المعلقة عليها في تحقيق هدفها المتمثل في خفض انبعاثات الكربون المسببة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي؟
بعض الانتقادات الأكثر إلحاحاً للسيارات الكهربائية تبدأ من تعرضها للحرائق والطاقة من الوقود الأحفوري المستخدمة لإنتاج البطاريات، والقلق المتعلق بالكلفة العالية. ويتساءل البعض: هل تنتج السيارات الكهربائية بالفعل انبعاثات كربونية أقل من نظيرتها التي تعمل بالبنزين أو الديزل؟
يقول السيناتور الأميركي عن ولاية فلوريدا، ريك سكوت، إن هناك «أدلة كافية تشير إلى أن المركبات الكهربائية ليست نظيفة تماماً كما تعمل جهات للترويج لذلك، وأن الناس يجب أن يعرفوا الحقيقة». وقدم هو وزملاؤه الجمهوريون الآخرون مقترح قانون أطلقوا عليه «الدعوة لبحوث مستقلة لتقييم الكربون الناتج عن المركبات الكهربائية»، في محاولة لتحليل البصمة الكربونية لهذه المركبات.
وذكرت مقالة حديثة في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أن «الفائدة البيئية للسيارات الكهربائية قد لا يشعر بها أحد أبداً»، لأن العديد من السيارات الكهربائية «لن تحقق أبداً هدفها من الأميال المطلوبة لمعرفة مدى مساهمتها في العالم الأخضر، لأن مالكيها سيلجؤون لامتلاك موديلات أحدث قبل أن فترة وجيزة من استخدامها، ما يجعل كميات من السيارات الكهربائية المستعملة غير مرغوب فيها».
في يونيو نشرت صحيفة «الغارديان» مقالاً للممثل البريطاني روان أتكينسون، قال فيه إنه شعر بـ«الخداع» بسبب ادعاءات الكربون الخاصة بالمركبات الكهربائية، وأن الواقع كان «مختلفاً تماماً». ويتحدث الممثل استناداً إلى أبحاث شركة فولفو التي تشير إلى أن انبعاثات الغازات الدفيئة أثناء إنتاج سيارة كهربائية أعلى بنسبة 70٪ تقريباً مقارنة بتصنيع سيارة تعمل بالبنزين. وكتب أتكينسون: «يبدو أن هذه السيارة اختيار خاطئ في المعركة لمعالجة أزمة المناخ».
ماذا يقول العلم؟
إن أي تقييم لانبعاثات الكربون المرتبطة بمنتج ما يحتاج لدورة كاملة لحياة هذا المنتج من التصنيع إلى إعادة التدوير. وتركز العديد من الادعاءات حول الخسائر البيئية الأسوأ التي تسببها السيارات الكهربائية للتصنيع، لكنها تتجاهل الاستخدام الفعلي للسيارات. وفي الحقيقة فإن تصنيع السيارات الكهربائية يتطلب بالفعل طاقة أكبر بكثير من السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، ويتطلب إنتاج البطاريات كميات كبيرة من الكهرباء لتسخين الأفران لصناعة مواد الأقطاب الكهربائية، ولشحن وتفريغ البطارية ولإعدادها واستخدامها. وفي حين يمكن إنتاج الكهرباء من دون انبعاثات كربونية، فإن معظم البلدان لاتزال تحرق الوقود الأحفوري الغني بالكربون لتشغيل المولدات. ويشير التحليل الذي أجراه مختبر أرجون الوطني في إلينوي، والذي استشهدت به وكالة حماية البيئة الأميركية، إلى أن تصنيع السيارات التي تعمل بالبطارية ينتج عنها انبعاثات كربونية تزيد بنسبة 60٪ على مثيلاتها التي تعمل بالوقود الأحفوري.
كلفة كربونية كبيرة
وهذا يعني أن السيارات الكهربائية تبدأ بكلفة كربونية كبيرة، توصف أحياناً بـ«دين الكربون»، ومع ذلك يقول أحد كبار محللي النقل السطحي في لجنة تغير المناخ، ومستشار علوم المناخ لحكومة المملكة المتحدة، إيوين ديفان: «إذا نظرت إلى البيانات فإن (دين الكربون) هذا لن يتم سداده في غضون عامين تقريباً من قيادة السيارة».
إن الغالبية العظمى من البصمة الكربونية لسيارات الوقود الأحفوري تأتي أثناء الاستخدام، عندما تقوم أنابيب العادم بقذف ثاني أكسيد الكربون باستمرار إلى الغلاف الجوي، ويقدر خبراء أن السيارة الجديدة التي تعمل بالبنزين تنتج نحو 27 طناً من الكربون إذا تم قيادتها لمسافة 100 ألف كيلومتر (62 ألف ميل)، و49 طناً لمسافة 200 ألف كيلومتر.
وعلى النقيض من ذلك، تستخدم السيارات الكهربائية طاقة أقل، ويمكن شحنها من مصادر خالية من الكربون. إن مدى إمكانية تشغيل السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة يعتمد على كمية الكهرباء المتجددة المستخدمة في الشبكات المحلية.
ويقول مدير السيارات في شركة «تي آند إي»، لوسيان ماتيو، إنه حتى إذا اخترت بين الفئتين من السيارات فإن السيارة الكهربائية ستفوز بعد نحو 70 ألف كيلومتر (نحو ست سنوات من القيادة النظيفة). ويضيف: «كلما قمت بقيادة السيارة الكهربائية أصبحت البيئة أفضل».
السيارات الكهربائية الأفضل
سوف تتحسن صورة السيارات الكهربائية عندما تحل طاقة الرياح والشمس محل الغاز والنفط، ما يقلل من انبعاثات الكربون الناتجة عن توليد الكهرباء لصناعة السيارات الكهربائية. ويقول رئيس قسم النقل في وحدة استخبارات الطاقة والمناخ بالمملكة المتحدة، كولين ووكر: «حتى لو كانت لديك شبكة متسخة حقاً، فإن السيارات الكهربائية لاتزال أفضل للبيئة، وسيستمر ذلك مع ازدياد نظافة الشبكة أكثر فأكثر».
علينا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار مستقبل التقنيات. يقول الباحث في تحول الطاقة في جامعة إيندهوفن للتكنولوجيا، أوك هوكسترا، إن الانبعاثات الصادرة عن سيارات الوقود الأحفوري لا يمكن أن تنخفض أكثر من ذلك بكثير، ما يعني أنها ليست تكنولوجيا قابلة للتطبيق في عالم خالٍ من الانبعاثات، ومع ذلك فإن تطوير البطاريات لايزال في مراحله الأولى نسبياً، ومن المرجح أن تميل كفة الميزان لمصلحة السيارات الكهربائية. ويؤكد هوكسترا أن البطاريات هي «حل جيد في نهاية اللعبة» للانتقال إلى صافي صفر من الانبعاثات الكربونية، أما محرك البنزين فليس له أي مستقبل.
البطاريات ليست الطريقة الوحيدة لإيصال السيارات إلى صافي صفر انبعاثات كربونية، حيث يمكن ملؤها بما يسمى «الوقود الإلكتروني»، البنزين المصنوع من الكربون من الهواء، والهيدروجين من الماء، والكهرباء الخضراء. هذه التكنولوجيا من المحتمل أن يتم استخدامها لتشغيل السيارات الكلاسيكية فترة طويلة في المستقبل. ويؤيد أشخاص آخرون استخدام الهيدروجين الموجود في خلايا الوقود لتشغيل المحرك.
في أي مقارنة واقعية فإن السيارة التي تعمل بالبطارية ستكون أنظف من نظيرتها التي تعمل بالبنزين أو الديزل. إن حرق الوقود الأحفوري لصنع السيارات الكهربائية وقيادتها سيظل يسبب الانبعاثات، ولكن بمستوى أقل من محركات الوقود الأحفوري غير الفعالة.
ويصدق هذا على شبكة اليوم، ولكن في شبكة الغد سوف تزداد الفوائد طالما استمرت البلدان في التحول بعيداً عن الفحم والغاز لتوليد الكهرباء، ويبدو أن استخدام البطاريات في السيارات حتى الآن هو الطريقة العملية الوحيدة لكي تنتج عشرات الملايين من المركبات الخفيفة كل عام صافي صفر انبعاثات.
في أي مقارنة واقعية فإن السيارة التي تعمل بالبطارية ستكون أنظف من نظيرتها التي تعمل بالبنزين أو الديزل.
الغالبية العظمى من البصمة الكربونية لسيارات الوقود الأحفوري تأتي أثناء الاستخدام، عندما تقوم أنابيب العادم بقذف ثاني أكسيد الكربون باستمرار إلى الغلاف الجوي. ويقدر خبراء أن السيارة الجديدة التي تعمل بالبنزين تنتج نحو 27 طناً من الكربون إذا تمت قيادتها لمسافة 100 ألف كيلومتر (62 ألف ميل)، و49 طناً لمسافة 200 ألف كيلومتر.
عن «الغارديان» البريطانية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news