بات مصطلح الذكاء الاصطناعي مألوفاً جداً خلال عام 2023، بفعل التحوّل الجذري الذي أحدثه ظهور الجيل الجديد من هذه التكنولوجيا، والمعروف بـ “الذكاء الاصطناعي التوليدي”.
التكنولوجيا الجديدة دفعت مديري الأعمال للبحث بشكل متزايد في التغييرات الهائلة التي ستحدثها هذه التكنولوجيا الذكية في مشهد الأعمال.
ويُجمع الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومن خلال السمات التي يمتلكها، سيوفّر فائضاً من الآفاق لأنشطة الصناعات، إذ من المتوقع أن يصبح الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الأعمال في المستقبل، كونه بارعٌ في معالجة وتحليل المهام بشكل سريع جداً، ما سيمكن البشر من استخدام هذه التكنولوجيا كأداة داعمة للتغلب على العواقب المحتملة في العمل وتبسيط عملية صنع القرار.
نجوم الفن بحاجة للحماية من منافسيهم الآليين
وفي وقت يدعو فيه مديرو الأعمال، للنظر إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي كحليف وأداة داعمة للبشر في أعمالهم، فيبدو أن هذا الواقع لا ينطبق على جميع أنواع الأعمال، فالسياق الجديد للذكاء الاصطناعي يلقي بظلاله بقوة على نجوم الفن في العالم، الذين يشعرون بالقلق من أن هذه التكنولوجيا سوف تسرق مواهبهم، وتضعف نجوميتهم وتمنح الفنانين الأقل موهبة، المهارات اللازمة لسرقة انتباه جمهور.
ويرى الخبراء أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيعيد تشكيل مفهوم النجومية، وأن أثاره على صناعة الفن ستكون متعددة الأوجه، إذ سيكون نجوم الفن في العالم بحاجة للحماية من منافسيهم الآليين من برامج وأدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي، مما يثير تساؤلات حول حدود الملكية الفكرية، والآثار الأخلاقية للمحتوى الذي ينتج عن هذه التكنولوجيا، القادرة على استنساخ أصوات وأشكال المشاهير.
بل وتستطيع هذه التكنولوجيا تحدي المفاهيم التقليدية من خلال استخدام أصوات فنانين رحلوا عن هذه الحياة، لإنتاج أعمال جديدة، ما سيخلق حالة من الإرباك والتخبط على الساحة الفنية.
مخاوف في تونس من سلبيات استخدام الذكاء الاصطناعي على التعليم
التكنولوجيا تغيّر قواعد “لعبة الشهرة”
ويقول الإعلامي والكاتب المختص بالشؤون الفنية بيار البايع، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنها ليست المرة الأولى التي تغير فيها التكنولوجيا قواعد “لعبة الشهرة”، فمنذ ظهور الصحف والسينما والراديو والتلفزيون، وأخيراً وسائل التواصل الاجتماعي، لعبت التكنولوجيا دوراً كبيراً في تغيير مفهوم النجومية.
وساهمت التقنيات الجديدة في جعل المشاهير أكثر شهرة، من خلال إيصال أعمالهم للجمهور بسهولة، في حين فتحت وسائل التواصل الاجتماعي الأبواب، أمام أصحاب المواهب لإبراز ما يمتلكونه من قدرات، ومنحتهم الفرصة كي يصبحوا مشهورين حقاً في الحياة، بحسب تعبيره.
ولفت البايع إلى أن المفارقة هذه المرة تكمن في أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تلعب دوراً في فقدان نجوم الفن لبريقهم، من خلال تقديم نسخة آلية محسنة عنهم، وذلك اعتماداً على البيانات الخاصة بهؤلاء النجوم، من صور وفيديوهات وبصمة صوتية، في المقابل ستيتح الأدوات المتطورة للذكاء الاصطناعي للأشخاص “الأقل موهبة”، الاستفادة من مهارات كبيرة للفت أنظار الجمهور، بناءً على قدرات لا يتمتعون بها.
ويوضح أن ما يزيد من تعقيد الوضع هو سهولة تطوير ونشر البرامج والتطبيقات، العاملة بالذكاء الاصطناعي الجديد، من قبل أي طرف ودون أي رقابة، وهذا الأمر نتج عنه في عام 2023، طرح العديد من الأغاني بأصوات الكثير من الفنانين دون علمهم.
وبحسب البايع، فإنه مع غمرة المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي التوليدي في صناعة الفن، يشعر مشاهير الفن بأن تقويض شهرتهم ينتج عن العوامل التالية:
– القدرة على استخدام صورهم وفيديوهاتهم وكلماتهم دون إذن منهم.
– القدرة على استخدام بصمة صوتهم وانتاج أعمال وأغنيات جديدة دون إذن منهم.
– القدرة على سرقة أرشيفهم وتحقيق الاستفادة المادية منه حتى بعد وفاتهم.
– القدرة على خفض قيمة عروضهم الحية.
– القدرة على منح قدراتهم الفنية لأشخاص لا يملكون أي مقومات.
ولفت البايع إلى أن إحدى المفارقات في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، هي قدرة هذه التكنولوجيا على السماح للبعض بالاستفادة من الفنانين المتوفين وجعلهم متواجدين على الساحة بعدة أشكال، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي خلق مجموعة واسعة من المحتوى، من خلال تدريب الخوارزميات على البيانات العائدة للمشاهير والمنتشرة على مواقع عديدة، ما يتيح للخوارزميات، إنشاء أعمال جديدة باستخدام التعلم الآلي، معتبرة أن هذا التوصيف كان من “الخيال العلمي” في السابق، ولكنه أصبح أمراً واقعاً اليوم.
مفهوم الشهرة أمام احتمالين
من جهتها، تقول الخبيرة في التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي دادي جعجع، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيضع مستقبل مفهوم الشهرة أمام احتمالين، فإما التنظيم بما يضمن حقوق الفنانين وتحقيقهم لمزيد من الانتشار، وإما تفلّت السرقة والسماح بمزيد من عمليات “الاستنساخ الرقمي للفنانين”، وإتاحة المجال أمام عديمي الموهبة بالظهور، وتحقيق الشهرة اعتماداً على ابداعات الذكاء الاصطناعي القادر على منحهم ما لا يملكونه.
وشددت جعجع على أن ضبط الوضع، وعدم تفلت الأمور في صناعة الفن على يد الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب تحركاً سريعاً، من نقابات وجمعيات الفن على صعيد عالمي، وليس صعيد محلي أو فردي، وذلك حتى يتمكن هؤلاء من مواكبة التغييرات الحاصة في هذا المجال، ودرس كيفية التصدي لها، من خلال إقرار قوانين عالمية، تمنع وتحاسب أي فرد أو شركة أو مؤسسة، تلجأ للتعامل مع محتوى تم انشاؤه عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي، اعتماداً على بيانات مسروقة تعود لفنانين مشهورين، إن كان لناحية الصوت أو الصورة، أو حتى لناحية تحويل قدرات، يمتلكها فنان ما، لأداة تتيح لغير الموهوبين الاستفادة منها.
واعتبرت جعجع أن كل فنان شهير في العالم، يمتلك بصمة خاصة به اكتسبها بقدراته، وهذا الأمر يجب المحافظة عليه، مشيرة إلى أن تنظيم الذكاء الاصطناعي التوليدي في عالم الفن، يمنع إضعاف نجومية المشاهير، حيث سيساعدهم ذلك على تحقيق المزيد من الانتشار، ويسمح لهم بالتواجد في جميع الأسواق، وبجميع الأشكال، وفي جميع الأوقات، مما يضاعف قيمة أرباحهم من مبيعات الحقوق العائدة لهم، فمثلاً يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أن تساعد الفنانين على طرح أغنياتهم وأعمالهم بعدة لغات وبسهولة تامة.
وتختم جعجع حديثها بالإشارة إلى أن العالم، لا يزال في المراحل الأولى لانتشار الذكاء الاصطناعي الجديد، الذي من المؤكد أنه سيكون جزءاً كبيراً من مستقبل صناعة الفن، وبالتالي على القيميين على هذه الصناعة، التحرك فوراً وعدم ترك معالجة الخلل، لمرحلة لاحقة، تكون فيها هذه التكنولوجيا قد انتشرت بشكل أكبر.
المصدر : سكاي نيوز عربية